عمر سليمان الآن: لا تخفى منه خافية

عمر سليمان الآن: لا تخفى منه خافية
منذ حوالي عشر سنوات، طلب قريب لرئيس المخابرات الأسبق أن نعوده في مرضه الذي توفي فيه. ذهبنا لزيارته في جناح فخم بمستشفى وادي النيل بالقاهرة. تكلمنا قليلا مع الرجل وذكرناه بالآخرة وبما هو مقدم عليه، ورغبناه في التوبة الصادقة.

عندما هممنا بالانصراف استوقفتنا زوجته وطلبت أن نكلمه في وجوب الصلاة!. رجعنا وتكلمنا معه حول ضرورة المحافظة على الصلاة حتى في ظروف المرض، وأن العبد في حال الضعف أحوج إلى الله تعالى، وبينا له عمليا كيف يمكن لزوجته أن توضئه ولو مرة مرة، وأن يمسح على جوربيه ليوم وليلة، وأن يصلي على قدر استطاعته قاعدا أو على جنب .. إلخ. انصرفت من هذه الزيارة فرحا بتقبل الرجل واستجابته لما قيل (وعرفت بعد ذلك أنه ولأول مرة يواظب على الصلاة) وحزينا في الوقت نفسه لتلك المفارقة، بأن رجلا طاعنا في السن حصل علوما كثيرة ومعارف واسعة وتقلد مناصب خطيرة ومؤثرة، ثم لا يعرف أبجديات دينه .. لا يعرف شيئا تقريبا عن مستقبله الحقيقي.

تذكرت تلك القصة مع الجدل الدائر حول وفاة عمر سليمان، وقد شاهدت لقطات من جنازته ومن سرادق العزاء الذي أقيم له بعدها، وهي لقطات لا تتمنى أن تكون لجنازة أي مسلم على وجه الأرض. أذكر عندما قرأت قبيل الثورة بعض وثائق ويكيليكس التي كشفت عن تواطؤ سليمان في حرب غزة الأخيرة وسعيه الدءوب لاستئصال حماس من غزة .. أذكر قشعريرة سرت في نفسي وأنا أتسائل: كيف لرجل يحمل مسئولية كل تلك الدماء والمظالم أن يقف بها غدا بين يدي الله عز وجل.
عمر سليمان الصندوق الأسود لأسرار عصر مبارك، الرجل الذي عاش غامضا ومات في ظروف غامضة .. الآن انتهى كل هذا الغموض.

الرجل الآن بين يدي خالقه، حيث تعرض كل الأسرار (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) .. جميع الأحداث السرية والعلنية .. وحتى خطرات النفوس. الرجل الآن عريان الجسد، عريان القلب والنية والضمير .. الرجل الآن مكشوف الجسد والعمل، مكشوف النفس والضمير .. وأهم من ذلك كله مكشوف المصير. الجهود والأموال وأحدث التقنيات التي كانت تسدل ستائر غليظة على أسرار الأحداث المختلفة، الآن لا قيمة لها .. الآن ترفع كل الأستار ويكشف كل مستور. الناس يخوضون في جدل سياسي عارم حول الرجل وتاريخه .. بينما هو في عالم آخر لا يمثل فيه هذا الجدل أي قيمة ولا أي معنى. الآن مقاييس مختلفة وموازين مختلفة وقيم مختلفة .. تماما.

اللهم أحسن خاتمتنا واجعل خير أيامنا يوم أن نلقاك وأنت راض عنا.

عمر سليمان الآن: لا تخفى منه خافية 561272_440151066016513_1582652629_n

عمر سليمان الآن: لا تخفى منه خافية 561272_440151066016513_1582652629_n

تسلم ايدك يا عبدالله